جولة في معرض الفنّان التشكيليّ خضر وشاح (في صالة إبداع)

2019-02-2

“إبداع، رابطة الفنّانين التشكيليّين العرب، رابطة غير ربحيّة، تأسّست نتيجة الظروف الخاصّة في الوسط العربيّ في البلاد، وتجاوبًا مع الحاجة لتأطير الفنّانين ضمن إطار واحد كون الموضوع بحدّ ذاته رافدًا من روافد المجتمع العربيّ الحضاريّ” ومقرّها كفر ياسيف الجليليّة.
سنحت لي الفرصة لأشارك، برفقة الفنّان جميل عمريّة، يوم السبت 16.02.2019 حفل افتتاح معرض “عبق الجنوب” في صالة إبداع، للفنّان خضر وشاح، تلبية لدعوة تلقّيتها من كانزِه الفنّان أحمد كنعان. ضمّ المعرض أعمال قديمة وحديثة للفنّان، من حيث فترة نجازها التي امتدت على مدار عشرين عامًا ونيّف، وكانت موضوعاتها متعدّدة.
ولد خضر في مخيم البريج في قطاع غزّة أبان النكسة، تزوّج من جواهر البدويّة وانتقل إلى راهط، يمارس الرسم منذ الصغر، بدايةً بالطباشير، الأبواب، ألواح خشبيّة وحيطان المدرسة، يتجوّل بين الموادّ التي يستعملها والأساليب، من الواقعيّة إلى التعبيريّة، يرسم على كانفاس، سجّاد، جلد حيوانات، أقمشة، ألواح خشبيّة بالية، ألواح تنك وغيرها.
موضوع الهويّة القوميّة، الثقافيّة والدينيّة حاضر في رسوماته، كما هو الحال مع الذاكرة العائليّة وماضي أهله وشعبه والوعي العائليّ والقوميّ.
يعرض خضر مجموعة من اللوحات ويستعمل الحبر على قبة فستان فلسطينيّ وتحمل عنوان هاجر؛ خالته التي قُتلت على خلفيّة شرف العائلة ؟!؟، وثيقة وشهادة لامرأة عاشت وماتت إثرَ جريمة نكراء بحقّ روحها وجسدها بما يتنافى وكلّ القيم الإنسانيّة، وأخذت معها بطاقة هويّتها التي تشكّل صرخة مدويّة على خلفيّة أشعار نداء خوري ومحمود درويش.
يستعمل خضر الألوان الزيتيّة على ألواح خشبيّة ليصوّر وجوه عائليّة من الذاكرة ليقرّب المسافات والزمان ويسمّيها “سمر” “علية” “جواهر” للتعبير عن أشواقه لأيّام خلت.
يستعمل خضر الألوان الزيتيّة على قماش ليصوّر اللجوء والهجرة والاقتلاع، من النكبة إلى النكسة وصولًا لما يحدث في العالم العربيّ، وعالم المعاناة والمخيّمات.
خضر، كباقي أبناء جيله، عوّل على جيل الفيسبوك الشبابيّ الذي كسر التابوهات وتمرّد وصوّره في رائعته “كسر حاجز الخوف”، وحلم كغيره ورسم الحلم في لوحة “الربيع العربيّ” آملًا بتغيّرات إيجابيّة نحو الديموقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة والحريّة، ولكنّها تمخّضت عن وحوش آدميّة فتكت واغتصبت وأذلّت شعوبها فرسمها ساخرًا بلوحة عَنونها “تعرية فتاة مصريّة في مظاهرة ضد العسكر”، فخاب أمله مع فقده للحلم وصار غضبًا وصدمة وشفقة لكونه انسان وفناّن… وتحوّل الربيع إلى طامةٍ كبرى.
أخذتني بشكل خاص لوحة عَنونها “الثاكلة” المستوحاة من لوحة بيتتا للفنّان مايكل أنجلو الذي يصوّر فيها العذراء تنتحب وتجسّد السيّد المسيح في حضن أمّه بُعيد إنزاله عن الصليب، أمّا اللوحة التي عَنونها “الصرخة”؛ بألوان زيتيّة على قماش، فقد أخذتني إلى صرخة الفنّان النرويجي إدفارد مونش ولوحته التي تحمل نفس الاسم ويتردّد صداها حتى اليوم رغم مرور أكثر من سبعين عامًا على رحيل صاحبها لما تبثّه من فزع، انفعال، قلق وخوف إنسانيّ.
لفتت انتباهي وجذبتني لوحات وأعمال الفنان المميّزة، أسلوبًا ومضمونًا، كجزء من رسالته ومسيرته الفنيّة، تناول خضر المكان للحفاظ على الذاكرة الجمعيّة فرسم معاناة وحسرة “تهجير رقم 2” التي كان نتاجها “مخيم اللاجئين رقم 1″، “مخيم اللاجئين رقم 4” وحال أبناءه البؤساء المعذّبون في الأرض “أطفال المخيم”.

وجدت في لوحاته المؤثّرة نوعًا من التحدّي ورسالة من بقوا، يصوّر بريشته معاناة شعبه ويحكي حكايته، بسلاحه/ريشته؛ حبر وألوان زيتيّة على جلد في ثلاث لوحات/معلّقات: “حين مأور” “صورة شخصيّة” “جيل مأور” يصوّر فيها وجهه ووجوه أبناء العائلة القريبون والمشتّتون وأصدقائه، وفي الخلفيّة زخارف وتطريز ونصوص شعريّة لمحمود درويش، أحمد مطر ونزار قباني…على جلد حيوانات (جواعِد) لتذكّر بالمعلّقات، واشتياق لأبناء العائلة المشرّدين في غزّة والضفّة والخليج وسيناء.
ملاحظة لا بدّ منها؛ لفت انتباهي غياب كتالوج مهنيّ أو مطويّة تشمل أعمال الفنّان في مجال الفنّ التشكيليّ ويجسّد تطوّر أسلوبه ويتحدّث عن المعرض وصاحبه… وكانزه؟!؟ فحبّذا لو نال اهتمام المسؤولين والمنظّمين في إبداع وتعاملوا معه بدرجة أعلى من المهنيّة، كما هو متبّع في المعارض.
من الجدير بالذكر أنّ الفنّان المبدع أحمد كنعان منظّم وكانز المعرض، بذل جهودًا بدت واضحة على المعرض وساهمت في نجاحه.

حسن عبادي