انطلقت إبداع في مسيرتها التي بدأت ولم تنته، وشرعت بالعمل وفقا لدستورها، والمهام التي يفترض أن تتولاها، وأهمها تنظيم المعارض للفنانين. فكان المعرض الأول في يوم الاحتفال بتأسيس إبداع، وقد شمل أعمالا فنية لعبد عابدي، إبراهيم حجازي، إبراهيم نوباني، أحمد كنعان، كميل ضو، وليد قشاش، إيليا بعيني، ناديا غضبان، سيسيل كاحلي، كمال ملحم وجمال حسن. وقال الأستاذ موفق خوري، مدير دائرة الثقافة العربية في وزارة الثقافة: «إن الإعلان عن تأسيس هذه الجمعية ليس إلا الخطوة الأولى على طريق طويل لا بدّ أن تقطعه الرابطة في مسار تطوّرها وتطوّر أعضائها الفني والاجتماعي. إنها الخطوة الأولى في هذا السياق من حيث نقطة البدء لاعتبار الرابطة دفيئة، وحلمًا يتحقق».
وتوالت برقيات التهاني إلى إبداع، والتحيات التي وصلت من أنحاء الوطن، مثل مركز الواسطي للفنون في القدس، حيث بعثت الهيئة الإدارية لجمعية الواسطي رسالة في 14.4.1995 جاء فيها: «إدارة جمعية الواسطي للفنون – القدس، تهنئ الإخوة والأخوات الأعزاء بهذه الخطوة المباركة، التي أقمتم فيها جمعيتكم المسجلة كجمعية عثمانية. إن هذا التسجيل هو نهوض للحركة الفنية الفلسطينية. ونأمل أن تقوم الهيئة الإدارية المنتخبة بالتنسيق والعمل مع جمعية الواسطي للفنون، لما هو في مصلحة الحركة الفنية الفلسطينية». ووقّع على هذه التهنئة كل من نبيل عناني، فيرا تماري، تيسير بركات وسليمان منصور.
وكتب زياد شليوط، في صحيفة كل العرب، يوم الجمعة 14.4.1995: «الحلم يتحوّل إلى حقيقة، لكن الواقع هو المحك للنجاح أو التقهقر. إذ لم يكتفِ المؤسّسون بالدستور إنما أضافوا أهدافًا عينية خاصة تخدم رابطتهم، مثل تطوير الفن التشكيلي في المجتمع العربي، ومطالبة السلطات المحلية بإقامة معارض دائمة». وعلّق الفنان عبد عابدي في هذا السياق بقوله: «إن الإعلان عن تشكيل الرابطة جرى في أواخر العام الماضي، فشعرنا بالتفاف عدد كبير من المثقفين والكتّاب، وتشجيعهم لنا بإقامة هذه الرابطة. فهي ليست تنظيمًا مهنيًا يقتصر على الفنانين التشكيليين، بل نرغب بأن نشكّل جسمًا ضاغطًا على الحكومة والبرلمان».
ودعت الرابطة إلى يوم دراسي حول «مسألة الانتماء والهوية» يوم الاثنين 29.5.1995 في حيفا، شارك فيه عدد من الفنانين والأدباء. وجرى نقاش حول الطريق الحضاري لإبداع، وتعدد النشاطات والفعاليات التي تقوم بها الجمعية مثل:
- تنظيم معارض لفناني جمعية «إبداع» في البلاد والخارج.
- إقامة مهرجانات نحت ورسم في مختلف قرى ومدن البلاد.
- إقامة جداريات مختلفة في القرى والمدن في البلاد.
- تنظيم دورات متنوعة في الرسم، الكراميكا، الفسيفساء، الرسم على الزجاج، الطباعة على الزنك وغيرها.
- مشاريع رسم جماعي لفناني إبداع في الطبيعة.
- فعاليات لطلاب المخيمات الصيفية.
- فعاليات فنية مختلفة لطلاب المدارس.
- إلقاء محاضرات عن الفن التشكيلي.
- لقاءات بين فنانين من مختلف القطاعات والأوساط في إبداع.
- أمسيات أدبية وثقافية ذات مواضيع متنوعة.
الفنون الجميلة
دأبت جمعية إبداع منذ تأسيسها لمناقشة مواضيع وقضايا جوهرية في مجال الفنون الجميلة، والفنون المرئية، وأنواعها. وأُجمل في ما يلي بعض ما تمخّضت عنه هذه المناقشات.
وذكرت بعض المصادر العلمية والتاريخية أن المصطلح ذاته «فنون جميلة» ظهر في عام 1767، وأصله من اللغة الفرنسية، وتمت ترجمته حرفيًا للغات العالم. والإشارة بهذا المصطلح تدلّ على الفنون التي ترتبط بالجمال والحسّ المرهف اللازم لتذوّقها. كان يستخدم أولا في وصف عدد محدود من الفنون المرئية، كالنحت والطباعة وبشكل أساسي الرسم. عند النظر إلى كلّيات الفنون الجميلة الموجودة في العالم، نجد أنها تشمل أقسام الديكور والعمارة، والرسم بشعبتيه الجداري والزيتي، وقسم التصميمات المطبوعة وقسم النحت. بينما لا تعتبر العمارة في دول غربية من ضمن الفنون الجميلة، بل تظهر في أكاديمية متخصّصة، على الرغم من وجودها على قمّة الفنون، واعتبارها الفن الأول قبل المسرح، ولكنها تعتبر فنًا تطبيقيًا جميلا. وهل يندرج تصنيف الفنون بأنه ما يتفق مع الجمال لكون هذه الفنون الأكثر كمالاً؟ بيد أن وصف الجمال في المصطلح لا يعتمد بالدرجة الأولى على جمال الشكل، إنما على صفاء مضمونه من أغراض أخرى غير الجمال ذاته. وبهذا التعريف نستبعد الأعمال الحرفية أو ما يطلق عليه فنون تطبيقية كالمنسوجات. ويتم عادة وصف بعض الأشياء خارج مجال الفنون بهذا المصطلح، عندما يتقن شخص ما هذا العمل. يستخدم المصطلح في يومنا الحاضر بشكل خاطئ لوصف أي نوع من الفنون كتأكيد على الجمال والجودة.
الفنون المرئية
أما الفنون المرئية فذكرتها تلك المصادر بأنها مجموعة الفنون التي تهتم أساسًا بإنتاج أعمال فنية تحتاج لتذوّقها إلى الرؤية البصرية المحسوسة، على اختلاف الوسائط المُستخدمة في إنتاجها. وهي الأعمال الفنيّة التي تشغل حيّزًا من الفراغ، كالرسم والتلوين والنحت، وتأخذ شكلا، وهي بهذا تختلف عن فنون أخرى كالرقص والشعر والموسيقى لتصبح لدينا مجموعة الفنون المتنوعة. لأن الفنون المرئية هي لفظ عام يشمل الفنون التشكيلية والفنون التعبيرية والفنون التطبيقية.
وقديمًا عُرّفت الفنون المرئية بأنها فقط الفنون الجميلة مثل: الرسم والنحت والعمارة. واستثنيت الفنون التطبيقية والمهارات الفنية الحرفية مثل: الخزف والحياكة والنجارة وتصميم الحُليّ والأزياء، فلم يتمّ اعتبارها فنونًا حتى ظهور حركة الفنون والمهارات الفنية التاريخية في بريطانيا، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والتي هدفت إلى الدمج بين الفنون الجميلة والفنون التطبيقية.
وتعود بنا مصادر تاريخ الفن، إلى أن الفنون التشكيلية تتميّز عن فنون الأداء، فنون اللغة وفن الطهي وغيرها من أصناف الفنون، لكن الحدود بينها تبقى واهية. فالعديد من الفنانين ينخرطون في عدة أنواع من الفنون أو يمزجون الفنون المرئية مع بعضها أو مع أشكال فنية غير مرئية مثل الموسيقى والشِعر.
فن الرسم
الرسم كما ورد في مصادر لتاريخ الفن، هو تعبير عن الأفكار والمشاعر، يتمّ من خلال خلق صورة جمالية ثنائية الأبعاد بلغة بصرية، ويعبّر عن هذه اللغة بأشكال وطرق مختلفة، وخطوط وألوان، تنتج عنها أحجام، وضوء وحركة على سطح مستوٍ، ويستخدم في ذلك الزيت، والأكريليك، والألوان المائية، والحبر، وغيرها من الدهانات، بحيث يقوم الرسام باختيار شكل معين، مثل الجدارية أو اللوحة، أو أيّ مجموعة متنوعة من الأشكال الحديثة، وتتضافر كل هذه الخيارات، بالإضافة إلى أسلوب الفنان الخاص، ليحقق بها صورة مرئية فريدة ومختلفة.
عناصر فن الرسم
وتأتي مصادر التاريخ الفني إلى عناصر فن الرسم، إذ تظهر عناصر أو مكوّنات أساسية للّوحة الفنية، وهي كما يلي: الألوان: وتشكل العنصر الأكثر أهميةً في اللوحة، لأنّها تحدّد شعور الرائي تجاه اللوحة، فيمكن أن تعطي أحاسيس ومشاعر مختلفة، قد تكون دافئة، أو باردة، أو قاسية، ويمكن تقسيم الألوان واللعب عليها من ناحية الكثافة والتأثير.
الأسلوب والتناغم في اللوحة: من حيث تأثير درجة اللون، غامقة أو فاتحة، ويمكن استخدام الألوان لإيجاد تباينات صارخة بدرجاتها المختلفة.
الخطوط: تشكل الخطوط علامات مصنوعة بالفرشاة، وتحدّد موضوع اللوحة، وتساعد على وضع حركة معينة في اللوحة، ويمكن تحديد خط فعلي بالفرشاة، أو عدم رسمه في الواقع، وبدلا من ذلك يتمّ التعبير عنه بحركة الألوان.
الشكل: كل عنصر من العناصر السابقة يخدم هذا العنصر، لأنه يتكون من الخط والمساحة، وقد يتكون من التقاء الخطوط المختلفة، ويأخذ الشكل بعدًا ثالثا في أعمال النحت على سبيل المثال، وقد يقع الشكل ضمن خيارين، الشكل الهندسي مثل المربّعات والدوائر وغيرها، والشكل العضوي وهي الأشكال غير المحددة، أو المستمدّة من الطبيعة. الفراغ: ويعبّر عنه بالمساحة أو الحجم، وبالفضاء في الفن، وخلق التوازن بين الجزء السلبي والإيجابي، حيث يمكن اللعب بهما بطريقة تؤثر في تفسير المشاهدين للوحة.
الملمس: قد ينتج عن أنواع مختلفة من القماش أو الألوان، وقد تصبح اللوحة أكثر سُمكا، أو عمقا، ويمكن أحيانا لمس ضربات الفرشاة على اللوحة.
التكوين: ويقصد به ترتيب اللوحة، مثل الموضوع والعناصر الخلفية وكل جزء صغير يضاف إلى اللوحة، وتشكل عناصر التكوين، والوحدة، والتوازن، والحركة، والتناسب، والتباين، والتركيز، والنمط، والإيقاع.
الاتجاه: كون اللوحة رأسية أو أفقية، ووضع الأشياء وكيفية استخدامها بشكلٍ يتناسب مع الآخرين، مثل إعطاء حركة في اللوحة من خلال الضوء.
الحجم: مثل حجم اللوحة وحجم عناصرها الداخلية، من حيث تناسب حجم اللوحة وحجم الأشياء المختلفة فيها.
الوقت والحركة: مقدار الوقت الذي يقضيه المشاهد في النظر إلى اللوحة وذلك من خلال لفت نظره، كما تشكل الحركة عنصرا مهما من عناصر التكوين، لأنّها تشير إلى كيفية توجيه عين المشاهد داخل اللوحة، من خلال دمج العناصر المختلفة.
فن الرسم ليس تصويرًا للواقع لكنه انعكاس عنه ومساحة اللوحة لا تمثل الشكل وإنما أبعاده المبعثرة، في الألوان والخطوط ومساحة التظليل والبياض، التي تخفي بين طياتها الضوء المسلّط على الشكل، لإبراز معالمه وقراءة تفاصيله وملامحه الغارقة في بحر البياض ذاته. وفن الرسم ليس مهمته نسخ الواقع ليكون مطابقا للأصل، وإنما مهمته تحفيز الناظر وسبر ثقافته، لإيجاد صلات ووشائج مع اللوحة والواقع، فالرؤى تختلف باختلاف مستوى ثقافة الناظر، وزاوية النظر تعكس رؤية وشكلا جديدا. والرسام يبتهج حين تتعدد الرؤى والقراءة لتفاصيل عمله الإبداعي. والرسام لا يرسم بيده، وإنما بروحه وقلمه الذي يمثل أحد مجسّات روحه، التي تخط أحاسيسه ومشاعره. وريشته ليست أداة للتلوين فحسب، بل هي مجسّ لانعكاس ترددات الروح المتحسسة لتفاصيل الجمال، إن سعادة الفنان بصناعة مخلوقه الإبداعي، المفصح عن تفاصيل جماله، المثير للأسئلة والألغاز الفنّية، الذي يشدّ الناظر إليه ويجبره على التحاور والتعليق الفني، سعادة لا يمكن أن يفهمها غير الفنان المدرك لعملية المخاض النفسي والحسي، الذي ينتاب الرسام-الفنان، عند صناعة كل جزء من أجزاء مخلوقه الإبداعي، ومن ثم ينفخ الروح فيه، ليكون ناطقا ومعبّرًا عن تفاصيله الجمالية. الرسام- الفنان يجسد الأحاسيس والجمال في اللوحة، ويعبّر عن قصيدة الشعر بكل أبعادها الحسّية بالألوان، كل لون فيها نغمة حسية- موسيقية، وكل خط فيها يمثل بحرًا من بحور الشعر.
الرسم الزيتي
ويرجع الفضل في اكتشاف الألوان الزيتية إلى الأخويين الهولنديين (هيوبرت وجان فان آيك)، في القرن الرابع عشر. فهما أول من أتقن مزج الألوان بالزيت، وحصلا على مزيج سريع الجفاف، ثم انتقلت أصول الرسم الزيتي إلى بقية أنحاء العالم.
النحت
يعدّ النحت فرعًا من فروع الفنون المرئية كما جاء في المصادر الفنية المذكورة آنفًا، وفي نفس الوقت هو أحد أنواع الفنون التشكيلية، كما أنه يرتكز على إنشاء مجسّمات ثلاثية الأبعاد. ففي الأصل، كان النقش عبارة عن إزالة جزء من المادة، والتشكيل يعني إضافة المواد إليها كالصلصال. ويمارس هذا الفن على الصخور والمعادن والسيراميك والخشب ومواد أخرى. عرف فن النحت منذ العصور القديمة، ويعود إلى نحو 4500 سنة قبل الميلاد، وهو أقدم من فن الرسم مثلا. ويمكننا أن نجد نماذج النحت في الحضارات القديمة باختلاف أشكالها، ومنها في الحضارات الفرعونية والرومانية واليونانية التي نجد فيها فنّ النحت من أكثر الفنون انتشارًا وتعبيرًا عن الجو المحيط مع اختلاف غرض الاستخدام، وعادة ما يقصد من هذه النماذج هو النواحي الدينية للتعبير عن الآلهة. منذ عهد الحداثة أدّت التغيرات في عملية النحت إلى الحرية في استخدام المواد، حيث يمكن العمل بكثير من المواد المتنوعة في عملية الإزالة، كالنحت أو عملية التجميع كاللحام والتشكيل والصبّ. ويظهر النحت كفن تجسيدي يرتكز على إنشاء مجسّمات ثلاثية الأبعاد للإنسان، الحيوان، أو أشكال تجريدية، على العكس من الرسم الذي يتعامل مع الأبعاد الثنائية. ويمكن استخدام الجصّ أو الشمع، أو نقش الصخور أو الأخشاب.
تعيش المنحوتات الصخرية أكثر بكثير من الأعمال الفنية المكوّنة من مواد أخرى قابلة للتلف، فأغلبية ما بقي من الثقافات القديمة، عدا الفخار، تتمثل في المنحوتات الصخرية، على عكس الأساليب المستخدمة في المنحوتات الخشبية التي اختفت تقريبا. وقد كانت أغلبية المنحوتات القديمة تُصبغ بألوان زاهية كما في المنحوتات الفرعونية.
كان النحت أمرًا أساسيًا في العبادات الدينية لكثير من الثقافات. فإلى وقت قريب، كانت المنحوتات الضخمة تعبّر عادة عن الدين أو السياسة. والثقافات التي بقي كثير من منحوتاتها هي ثقافة البحر الأبيض المتوسط القديم، وكذلك الثقافة الهندية والصينية، بالإضافة إلى الأمريكية الجنوبية والأفريقية. ونجد انتشار فن النحت في عصر النهضة والباروك ووجود عظماء النحاتين.