تعاقدت جمعية إبداع مع المجلس المحلي كفر ياسيف من أجل إقامة نصب تذكاري في ساحة العين القديمة في البلدة. وأوكل الأمر إلى الفنان الدكتور سليم مخولي لتنفيذ المشروع. لكنه قرر الاستعانة بفنانَين آخرين هما جمال حسن، وكمال ملحم لتصميم هذا النصب بصورة مميزة. كما شارك الفنان سلمان ملا وإيليا بعيني بالعمل لإنجازه.
وكتب الدكتور مخولي بعد الاحتفال بتدشين النصب مقالة أوجزناها بما يلي، وكانت بعنوان:
توثيق – رمز – عمل
بقلم – الدكتور سليم مخولي
ليس غريبًا أن يكون نصب على هذه الساحة لعين الماء رمزًا لمكانتها في النفوس بعد أن زال البنيان وتغير ما كان. بدأت فكرة إقامة نصب على ساحة العين من قبل لجنة اليوبيل الأهلية، التي تشكلت لإقامة احتفالات اليوبيل الذهبي، لتأسيس المجلس المحلي. وكانت في أوج عملها لخدمة البلد سنة 1975. فقد أقيم نصب على شكل حائط فيه قنطرة وبداخلها مضخة ماء قديمة، تشبه سبيل الطاسات القديم، الذي كان يشرب منه السابلة. ارتأى المجلس المحلي إزالة هذا النصب في فترة رئاسة السيد نمر مرقس، وأقيم مكانه نصب على شكل مكعب متواضع بقي حتى سنة 2000.
وفي أسفل العين فتحة بئر عميقة، وتمت تغطية فتحة البئر بطبقة سميكة من الباطون ودعائم حديدية، عليها بني نصب العين. وأبقى المهندس فتحة في الجهة الشرقية غطيت بلوح زجاجي مقوّى كي يتمكن الناظر أن يشاهد بعضًا من البئر. لكن تم التبليط فوق هذه الفتحة فيما بعد. لمشاهدة البئر بصورة أوضح طرحتُ فكرة حفر ممر، خندق جانبي من جهة الشمال أو الغرب يؤدي إلى جدار البئر، وتكون دعائم أمان تمامًا فوق فتحتها مع إضاءة تمكن الزائر من مشاهدة معالم البئر واضحة. بقي هذا المشروع اقتراحا، ربما سيجد من ينفذه في المستقبل. علمًا أن هذه البئر حقا تحفة أثرية رائعة من عهد قديم جدًا لا يعرف تاريخها.
تم بناء النصب على مسطبة الباطون السميكة. وأقيم جزء من النصب فوق فتحة البئر من الجهة الشمالية الغربية. تمّ البناء وفق المواصفات في المجسم الصغير، وبناء حوض ماء واسع حوله. من البداية كان قد حضر مهندس مختص، وفق طلب المجلس الذي مدّ مواسير الماء، وعيّن موقع مضخة الماء من أجل الضخ في النصب إلى أعلى حيث ينزل على الدرجات إلى الحوض فيضخ من جديد إلى أعلى.
بعد أن تم بناء النصب من الباطون ووضعت مكعبات الصخور الضخمة، أي الدرجات رمز الكوالك، وقفنا ثلاثة فنانين الذين اتفقنا أن نشتغل معا على هذا النصب (جمال حسن وكمال ملحم وسليم مخولي) نتأمل العمل كم هو جيد، ويأتي بموجب ما خطّطناه. خطرت فكرة بأن تضاف صخرة عريضة في أعلى النصب منها ينسكب الماء- كرمز لخروج الماء في الطبيعة من الصخر. ذهبنا ثلاثتنا إلى المحجر وطلبنا صخرة ملائمة، وهنا جاء دور الفنان سلمان ملا، الخبير بالحجر وقص الصخرة للمقياس المطلوب. فاستعملنا الجزء المطلوب وتم تركيبه في أعلى النصب.
كان لا بد من عمل سياج واق على سور الحوض. اقترحتُ فكرة مدّ قضبان حديد وعليها رسومات للناس التي كانت تستقي، والحيوانات التي كانت ترد العين لتشرب. وهكذا رسمت الملايات وعنتر السقاء مع تنكات الماء والراعي والبقرة وكبش الغنم والماعز والجمل. قام بقص الحديد الفنان إيليا بعيني الذي أضاف الخيول من رسمه، وبمساعدة باقي الزملاء، حيث انضم إلى العمل الفنان عماد خوري. تم تثبيت حديد الدرابزين الذي اتخذ شكلا رائعًا خاصة تشريك الشكل مع شكله في الفراغ المتبقي بعد قصه (بوزيتيف – نجاتيف). أتممنا العمل بتلبيس زوايا الباطون في النصب بحجارة صغيرة، أضفت جمالية للعمل ومعنى لما فيها من تشريك القديم، الحجر بالجديد والباطون.
تمت مؤخرا عملية ضخ الماء في النصب وانسكابه في الحوض، فزاد رونقا جديدًا للعمل في حركة وصوت انسكاب الماء من على الصخور إلى الحوض الواسع. فبالإضافة إلى شكله الصاعد الجميل والمتناسق كانت شلالات المياه النازلة من مكان خفي في الأعلى، أكسبتها جمالا. نأمل أن يبقى هذا النصب مصونا نظيفا يذكّرنا بحبّنا وتمسكنا ببقاء وجه بلدنا الحبيب كفرياسيف متألقا ناصعا كما نريد له أن يكون.